اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين
332353 مشاهدة
تقطيع آذان الأغنام وقرونها

السؤال: س296
ما حكم تقطيع آذان الأغنام وقرونها؟
الجواب:-
 كان أهل الجاهلية يقطعون آذان الدواب كعلامة على نوع من الأنعام التي يحرمونها، ويسمونها البحائر والسوائب، وقد ذكر الله أن ذلك من وحي الشيطان إليهم، فحكى عن إبليس أنه قال: وَلآمُرَنَّهٌمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ومتى قطعت آذان الدابة أصبحت متميزة عن غيرها بهذه العلامة الجلية فيجعلونها لآلهتهم، كما قال تعالى عنهم: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا أي معبوداتهم، ومنها ما يختص به الرجال، كما في قوله تعالى: وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ولا شك أن هذا الفعل محرم؛ حيث أنهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله، ويجعلون ميزة ورمزا لهذا النوع من المحرمات ، فالتحريم ليس هو مجرد تبتيك الآذان ، وإنما التحريم ينصب على عزل هذا النوع وتسميته بهذا الاسم؛ بحيث يمنع التصرف فيه تصرف المالك لملكه.
وقد وقع في هذه الأزمنة المتأخرة أن بعض الناس يقطعون من المعز أو نوع منها أنصاف الآذان ويعتذرون عن الفعل المذكور بأنهم لا يقصدون تحريمها، ولا الإشارة إلى أنها بحيرة أو سائبة ... إلخ ، ولكن ذلك من زينتها وجمالها؛ حيث زعموا أن في آذانها طول مفرط ، وتقصيرها يزيل ذلك الشين والقبح في المرأي، وربما علل بعضهم أن طول الآذان يعوقها في الشرب والرعي؛ حيث تعترض الآذان دون الماء أو الأكل، فبقطعها يزيل التعويق، هكذا عللوا، ويمكن أن يعتبر هذا عذرا لهم، مسوغا تقصير الآذان بقدر الحاجة، لكن بعضهم يقطع أكثر الأذن، مما لا حاجة إلى قطعه، فيدخل في المحرم أو المكروه.
أما إن كان القصد الجمال فقط، فأرى أن خلق الله أحسن تقويما، فلا يحتاج إلى تحسين خلقة أو منظر، فالآذان في الأصل خلقها الله زينة، ولحاسة السمع، وجعلها في هذا الحيوانات طويلة حتى ترفعها وقت سماع الصوت البعيد، فتغييرها وتقصيرها فيه اعتراض على خلق الله، وتشويه للمنظر، لكن يستثنى من ذلك إذا كانت طويلة طولا مفرطا، فقد يرخص في قطع بعضها الذي يعوقها في الأكل والشرب .
ثم لا بد عند القطع أن لا تتأذي وتتألم؛ وذلك أن يعملوا طريقة تخفف عنها وجع القطع وإيقاف الدم في حينه، ولا بد أن هناك طرقا معروفة لذلك، ثم إن هناك آخرون يقطعون طرف الأذن من البقر أو الغنم لقصد السمة والعلامة، وقد تشق الأذن عرضا أو طولا، وقد ورد في حديث مرفوع النهي عن الأضحية بالعضباء التي ذهب أكثر من النصف من أذنها أو قرنها وكذا ورد النهي عن المقابلة والمدابرة ونحو ذلك وهي أن تشق الأذن من وسطها أو من أحد جانبيها، وكل ذلك لمجرد السمة غالبا ، وهذا يجوز عند الحاجة، كخوف الاشتباه، وعدم المعرفة بالوسم المخصص ، وليس في هذا ألم شديد فيغتفر للحاجة.
وأما كسر القرن أو قطعه فيجوز إذا كانت الشاة تؤذي بقرنها، فقد يحدث أن بعض المعز أو الكباش أو الإناث من الغنم حيث تكون طويلة القرن، تنطح غيرها، فيحصل من النطح موت أو عيب أو نحوه، فلا بأس بقطع القرن أو بعضه بقدر الحاجة وبدون ألم للحيوان، والأولى تركه، فأما لقصد الجمال والزينة فأرى أنه لا يجوز؛ لما فيه من تغيير خلق الله، وتأليم الحيوان بغير حق ، والله أعلم.